أكّدت الروائية الكاميرونية كاليكست بيالا أنّنا نعيش “معجزة إفريقيا” التي تتحرّك وتصرّ على سيادتها بعيدا عن الهيمنة الفرنسية، رغم المساعي المثبطة للعزائم، فما يقوم به الأفارقة الشباب حاليا من تخليص للقارة السمراء من سطوة استعمار الأمس، ليس اصطفافا مع قطب على حساب آخر ولكن تأكيد وتكريس لمقولة “افريقيا للأفريقيين”، مضيفة أنّ هؤلاء الشباب يواصلون نضال الآباء المؤسّسين للفكر الافريقي الذين كافحوا من أجل “أمة واحدة”.

وقالت الحائزة على الجائزة الكبرى للرواية التي تقدّمها الأكاديمية الفرنسية، خلال ندوة “الفكر الافريقي وتأكيد الذات في القرن الواحد والعشرين” التي احتضنها الجناح الافريقي لصالون الكتاب”، أمس الخميس، إنّ مختلف الأجيال الافريقية لم تسع للقطيعة فيما بينها لكنّها تبنّت الاستمرارية  لبناء “افريقيا الغد”، وأضافت أنّنا بلغنا مرحلة النضج اللازم كي نقف الندّ للندّ مع “الآخر”، ولابدّ من العمل على ما يوحّدنا كأفارقة.

من جهته، تحدّث السيد ماهونيان كابكو من البنين عن مكانة “الانسانيات” في الفكر الافريقي، وقال إنّ القارة السمراء لا يمكن أن تتطوّر إذا أهملت “الانسانيات” المرتبطة بالثقافة واللغة والمعتقدات، مشيرا إلى أنّ الأفارقة يدرسون النهضة الفرنسية والحضارة الانجليزية كأنّ افريقيا ليس بها نهضة أو حضارة أو روافد ثقافية، وأكّد أنّ بتدريس الانسانيات سيتمكّن الشباب من تطوير فكر. وتابع بأنّ الفكر الإفريقي يعيش شرخا كبيرا، وأعطى مثالا بالأسماء التي تعطى للأبناء، فمن غير الألقاب لا يمكن أن نتعرف على حاملها، وقال “الأسماء هي التي تربطنا بأرضنا، علينا تدريس انسانياتنا كي يتمكّن شبابنا من معرفة جذورهم”.

واختارت السنغالية حواء أبوبكر ليتار التوقّف عند الهمجية الاستعمارية الفرنسية التي عرفتها افريقيا، وأعطت مثالا بمجازر 8 ماي 1945، مؤكّدة أنّ افريقيا سبقت اوروبا في مجال حقوق الانسان، وما فعله الأمير عبد القادر الجزائري مع الأسرى خير دليل على ذلك، كما استحضرت مقاومة “لالة فاظمة نسومر” وحنكة لالة الزهرة والدة الأمير عبد القادر.

وأشارت المتحدّثة إلى أنّ افريقيا كانت موحّدة قبل مجيء الاستعمار طمعا في خيراتها التي نهبها وأباد لأجلها ملايين الأفارقة، وأضافت أنّ ما يحدث اليوم في فلسطين من إبادة خير دليل على “إنسانية الغرب”، داعيا إلى التسلح بالعلم فإفريقيا هي من طوّرت كلّ المعارف في مختلف المجالات، ولابدّ من الوحدة وهو ما تخافه أوروبا لأنّه “إن تحقّق فلن يبقى للأوروبيين أيّ شيء”، وختمت حديثها بضرورة أن تواصل الجزائر دورها الريادي في إسماع صوت أفريقيا.

الباحث الجزائري بن عودة لبداعي، استحضر من جانبه، موضوع “الفكر الافريقي في الأدب:، وقال إنّ افريقيا تعبّر عن نفسها بكلّ اللغات، وأضاف أنّ اللغة ليست مهمة بقدر أهمية الموضوع والطريقة التي نعبّر بها، موضّحا أنّ “اللغة غنيمة حرب، بمنظور كاتب ياسين، فبلغة المستعمر ناضل الأفارقة ضدّ الكولونيالية”، ليعرّج على مفهوم “العبودية” وكيف أنّها جريمة ضدّ الانسانية وأشار إلى أنّ الباحثين يرفضون مصطلح “العبودية” ويفضّلون “الاستعباد” وأعطى أمثلة عن قوافل المستعبدين الأفارقة إلى أمريكا والبرازيل وغيرهما، حيث أخذ المستعبدون معهم ثقافاتهم وحافظوا عليها، ما ساعدهم على مواجهة “الاستعباد”.

كما قال الأستاذ لبداعي إنّ الأفارقة لا يستعملون اللغتين الفرنسية الانجليزية، كموليير أو شكسبير، لكن هناك “أفرقة” لهما، وباتت أحسن وسيلة لتأكيد وجودهم في اوروبا وقدرتهم الكبيرة على اكتساب اللغات وأضاف “الخطاب السائد هو ما يخلق الفارق وليس اللغة”، مستحضرا تجربة الروائية الجزائرية مايسة باي التي تبدع بالفرنسية واوضح “مايسة باي تكتب بالفرنسية عن المرأة الجزائرية كما لم تفعله أيّ واحدة أخرى”، وأضاف “انا أقرأ بالفرنسية لكن يحضر في ذهني وسط الدار والجزائر بكلّ تجلياتها”.

وفضّل الأستاذ سانسكي، آخر متدخل في هذه الندوة التي عرفت حضور وزيرة الثقافة والفنون السيدة صورية مولوجي، التوقّف عند المساعي الاستعمارية لطمس كلّ ما يميّز الافارقة، وقال “أنا من الجيل الجديد ومتيقن بأنّ كلّ حكاية غير مروية فهي منسية”، وهو ما أراد الاستعمار القيام به، أي أن ينسى التاريخ ما قدّمته إفريقيا للإنسانية”. وتابع بأنّ “الفعل لابدّ ان يتبع القول، وهو ما تقوم به الجزائر بإتقان، وباسم الشباب الافريقي أقول للجزائر “شكرا”.

Pin It on Pinterest

Shares
Share This