تحدّثت الروائية ربيعة جلطي، أمس السبت، عن “التجريب في الأدب”، حيث أوضحت في ندوة مرافقة لبرنامج صالون الجزائر الدولي للكتاب الثقافي، إنّ التجريب هو محاولة خطيرة ومرضية لتجاوز ما هو موجود، فيما اعتبر الروائي الفلسطيني ابراهيم نصر الله أنّ لا قصدية في أن تكون النصوص الإبداعية تجريبية وإنما القصد هو التعبير عن التجربة بما يليق بها،  وتساءل الروائي أحمد طيباوي عن الغاية من التجريب.

في المستهل، قالت ربيعة جلطي إنّها عندما كانت صغيرة كانت تقرأ بالعربية والفرنسية والاسبانية، ويهيأ لها أنّ عالما مختلفا انفتح أمامها، ونهلت من أعمال متباينة من “ألف ليلة وليلة” إلى “دونكيشوت”، مرجعة تأخرها في النشر برغبتها في تقديم ما لم يقدّم مثله من قبل، وتوقفت عن تجربة رواية “الذروة” التي نشرت في 2009 وأثارت الكثير من الاهتمام، مشيرة إلى أنّها تجربة خطيرة لتجاوز ما هو موجود، فـ”الذروة” التي كتب عنها النقاد ودرسها الباحثون بكثرة وصفت في 2010 بالشارقة بأنّها “حالة خارقة جدا لأنّها تضمّ أشياء لم تكن موجودة في الرواية الجزائرية وحتى العربية  كالحديث عن “الفنتاستيك” و”الغرائبية”، كثرة وتعدّد الأصوات، السخرية السوداء خاصة لنقد السلطة والوضع العام في الدول العربية.

كما تناولت جلطي تجربتين ظهر فيهما التجريب جليا وهما “قلب ملاك آلي” و”جلجامش والراقصة” التي لقيت رواجا في الاوساط الأكاديمية، في إعادة انتاج الأسطورة في ظروف غير ظروفها الأصلية ثمّ التصرّف في التاريخ وفق ما يريده الروائي، وقالت إنّ التجريب ليس حالة خارجية عن الروائي، بل هو مسألة “جوانية”، فأسطورة “جلجامش” بصمت حياتها وسكنتها قضية “الخلود”، خاصة بعد وفاة والدها، وأضافت أنّها أعادت قراءة  ملحمة جلجامش بالفرنسية ودرست الكثير من الكتابات عنها، لكنّ الجمرة التي داخلها لم تنطفئ، فجاءت رواية “جلجامش والراقصة” كنقد للملحمة، وواصلت أنّها لم تقتنع بالملحمة  ومنحت جلجامش عشبة الخلود، فظلّ حيا إلى الآن وسافر عبر الزمن ورأى الحروب والأهوال.

من جهته، أوضح الباحث التشيكي غاسبار باليتشلاك، أنّه بعد سقوط جدار برلين في 1989، كان يبدو أنّ آفاق الكتابة الجديدة ستنفتح لصالح الأدب التشيكي، موضّحا أنّ أفق الحرية هذا لا يضمن جودة الأدب، فحتى وإن تحرّرت الألسن والأقلام، فإنّ هذا لا يضمن وجود أقلام ذو نوعية، وما كان ممنوعا، منفيا او مطاردا قبله، لا يعني أنّه كان جيّدا.

وأعطى باليتشاك مثالا بكاتبين، الأوّل هو ايفان باتوشاك، فرغم كونه كاتبا كلاسيكيا إلا أنّه كان يملك روح السخرية والنقد والخطاب اللاذع، والثاني هو باتريك أوغينيك الذي جرّب كلّ دروب الكتابة.

واستحضر الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر اللّه، روايته الأولى “براري الحمى” التي صدرت في ثمانينيات القرن الماضي، وكان هناك انقسام شديد بشأنها، فالبعض أحبّها، وبعضها تحدّث عن اللغة والبناء، والذين أحبوها تعاملوا معها كرواية حديثة، وحينما ترجمت إلى الانجليزية تعاملوا معها كرواية بعد حداثية، وقال “لم أكن مشغولا بسؤال الحداثة أبدا في تلك الفترة، وكتبت الرواية كي تكون أمينة للتجربة التي  عشتها وكدت أفقد حياتي بسببها”، مشيرا إلى انّ الظروف المعيشية التي مرّ بها هي من أوجدت هذا النص.

أما الروائي أحمد طيباوي، فحاول تحديد ماهية “التجريب” وتساءل “هل هو خوض طرق جديدة للقول أو عناصر جديدة للرؤية والتيمة، مقارنة بحالة مرجعية  هي الرواية الكلاسيكية؟”، “هل التجريب وسيلة ام غاية فقط؟”، وأشار إلى أنّ بعض الأعمال الروائية يلمس فيها القارئ أشياء مفتعلة، موضحا أنّه حاول في رواية “اختفاء السيد لا أحد”  الكتابة عن “لا أحد جزائري” بطريقة مختلفة وترك مسألة الحكم للقارئ، وأضاف أنّ التجريب لا يجب أن يكون هدفا بحدّ ذاته، وإلا كان التقمّص كاذبا والقارئ في كثير من الأحيان “أذكى من الجميع”.

 

Pin It on Pinterest

Shares
Share This