قال الدكتور يوسف وغليسي أن الشعر الجزائري اليوم يعرف حضورا كميا كبيرا في مقابل تراجع للنوعية والجودة الفنية، و الفرادة الشعرية واعتبر وغليسي خلال ندوة نشطها بقاعة الطاسلي في إطار البرنامج الثقافي المرافق لصالون الكتاب أن معظم الذين يكتبون الشعر اليوم دخلاء على الشعر وهي ظاهرة أفرزتها مواقع التواصل الاجتماعي التي كرست هذه الأسماء بما تنشره والذي يعتبر في معظمه “لا علاقة له بالشعر”.
وأضاف وغليسي أن هذا التكريس الوهمي سهل تراجع النقد عن وظيفته المعيارية التقليدية وهي التمييز بين الجيد و الرديء. وأشار وغيسلي أن المناهج النقدية الجديدة التي أساء أساتذة الجامعة استعمالها أغرقت النقد في الأوهام عندما حرمت على النقاد الحكم على النصوص وهذا أنتج حسبه ساحة فقيرة شعرية تغيب فيها النماذج الفنية المتفردة التي تتوارى خلف هذا الركام من المنشورات العادية.
ووقف الناقد يوسف وغليسي على” فصيلتين ” تتنازعان الساحة الشعرية ، الفصيلة الأولى تمثلها مجموعة الشعر العمودي الكلاسيكي المتين نحويا عروضيا لكنه فقير جماليا و مجازيا مكتفي بالوظيفة التي سخر لها و تمثل هذه الفصيلة نصوص البرامج التلفزيونية” شاعر الجزائر، شاعر الرسول …”.
أما الفصيلة الثانية حسب وغليسي، تمثلها مجموعة السيل الشعري الجارف غثاء النثر البسيط المثقل بالقوافي المتراكمة المناهض لفلسفة القصيدة النثرية كما وجدت من قبل .وتمثل هذه الفصيلة حسب وغليسي أشعار النساء مؤكدا أنه أحصى سنة
2013 ما لا يقل عن 82 ديوان ل51 شاعرة 80 في المائة منهن يكتبن القصيدة النثرية.و قد صارت هذه الأرقام تتضخم مع بروز سطوة مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سياق تشريحه نقديا للساحة الشعرية الجزائرية قال وغليسي أن موجة شعر الهايكو التي انتشرت مؤخرا في الجزائر من طرف شعراء ليست لهم سوابق شعرية عززت الانتشار الكمي على حساب النوع ، فأغلب ما يكتب اليوم شعر منزوع الشعرية لا يكترث بقواعد الهايكو وضوابطه. لكن ورغم ذلك وقف يوسف وغليسي عند نماذج كتبت الهايكو متسلحة بالنظرية النقدية المعرفية والروح الإبداعية على غرار ديوان الشاعر و الأكاديمي عاشور فني” بين غيابين” والذي اعتبره وغليسي رائد تاريخيا في الجزائر في كتابة الهايكو. و لخضر بركة في ديوانه” حجرة يسقط الآن في الماء”
ودعا وغليسي الشعراء الجزائريون إلى العودة إلى التراث الشعري العربي الثري والمتنوع و الاستثمار فيه لخلق الفرادة و التميز، كما أشاد وغليسي بتجارب شعرية متفرجة تمكنت من فرض نفسها وسط السيل الجارف من النشر الغث أمثال” محمد الأمين سعيدي، و ياسين بوذراع نوري.
هذا، وقد عرفت الندوة في ختامها قراءات شعرية نشطتها عدة أسماء مزجت بين الشعر الفصيح و الشعبي و الامازيغي على غرار نادية نواصر التي قدمت مقاطع من ديوانها الجديد” رسائل إلى نيلسون مانديلا”، ومبروك النوي الذي قرأ آخر ما تبقي من ذاكرة النخيل و خديجة بن صبيع التي قدمت قصائد من الشعر الحساني و كذا زهرة خلوات التي فضلت المزيج بين الامازيغية والشعر الشعبي بالعربية وجمال وحيدي وعفاف فنوح التي اختارت مقاطع من ديوانها ” أن للحب وأنا إليه راجعون” فضلا عن أسماء أخرى تداولت على المنصة في أشعار تنوعت في موضوعاتها وكان القاسم المشترك بينها غزة و فلسطين تأكيدا على التزام الجزائريين بالقضية الفلسطينية.