التأمت ندوة ” الرّقمنة والمكتبات الجواريّة والجامعيّة: فرص وتحدّيات”، بالفضاء الرّقميّ في جناح القصبة لصالون الجزائر الدّوليّ للكتاب، بمداخلات الأساتذة دحمان مجيد عن مركز البحث في الإعلام العلميّ والتّقنيّ حول ” الرّقمنة والمكبات”، ويحياوي سجيّة مديرة مكتبة جامعة مولود معمري بتيزي وزّو، حول “واقع المكتبات الجامعيّة: الفرص والتّحدّيات”، ولعجل حسينة إحسان ممثّلة لمكتبة جامعة باجي مختار عنّابة، حول تكيّف المكتبات في الواقع والعصرالرّقميّ، وتنشيط الدّكتور فاتح بوراوية من جامعة أمحمّد بوقرّة بومرداس، وأجمعوا على ضرورة تعميم نموذ المكتبة الهجينة التي تربط بين المطبوع والإلكترونيّ خدمة للقارئ وتكيّفا مع التّطوّرات التّكنولوجيّة الرّاهنة.
المستدمر الفرنسيّ الذي سرق كلّ المؤلّفات والمخطوطات
استهلّ الدّكتور فاتح بوراوية حديثه بالإشارة إلى المستدمر الفرنسيّ الذي سرق كلّ المؤلّفات والمخطوطات التي كانت في الزّوايا والجوامع لمّا احتلّ الجزائر، ونهبها، لأنّه كان يعلم أنّها أحد حلقات الإرث الثقافيّ والحضاريّ للتّاريخ الجزائريّ، وقام باستبدالها بوثائق أخرى، ليبثّ ثقافة دخيلة عن المجتمع الجزائريّ، آنذاك، كما تمّ حرق المكتبة الجزائريّة وباقي المكتبات لطمس الهويّة الوطنيّ.
وأشار إلى أنّه بعد الاستقلال، تمّ استحداث أكثر من 50 مكتبة رئيسيّة وعموميّة، ففي كلّ ولاية، نجد مكتبة مطالعة عموميّة وملحقاتها، وهذا إنجاز م يحسب لصالح وزارة الثقافة. كما أنّ المكتبة الوطنيّة، قد لعبت دورا رياضيّا، وكان لها 14 فرعا سنة 1993، لتتحوّل سنة 2009 إلى مكتبات عموميّة. وفيما يخصّ المكتبات الجامعيّة، فقد لاحظنا تطوّرا كذلك، من حيث عدد الجامعات المتواجدة في كلّ الولايات، ومكتبات كلّياتها، بحيث تزيد عن 524 مكتبة في خدمة الطّلبة والأساتذة والباحثين، وهو ما يدلّ على وجود بنية تحتيّة ووسائل وتجهيزات، وكادر بشريّ، تمهيدا لمواكبة الثورة التّكنولوجيّة وتلبية الاحتياجات المتزايدة، وعدم بقاء تلك المكتبات حبيسة للأفكار القديمة، وهذا من خلال تطوير حظائر الإعلام الآليّ على مستوى المكتبات سواء كانت جواريّة أو جامعيّة، وتوفير الإنترنت على مستوى المكتبات، وتوفير تطبيقات وبرامج الرّقمنة، إضافة إلى منصّات متخصّصة في المعلوماتية، وإنشاء مفهوم المكتبيّة وتكييفها مع الواقع الرّقمي، وتحديد الصّعوبات التي تقف أمام المكتبات للوصول إلى الأهداف المرجوّة.
موضوع المكتبات والرّقمنة مسألة وجوديّة
أكّد دحمان مجيد عن مركز البحث في الإعلام العلميّ والتّقنيّ حول ” الرّقمنة والمكتبات”
موضوع المكتبات والرّقمنة مسألة وجوديّة، حيث ترتبط بوجودنا الثقافي والعلمي والتكنولوجيّ في المستقبل، وأنّه ينبغي تحديد المفاهيم لمّا نتحدّث عن المكتبات الجواريّة والجامعيّة، حيث أنّنا أمام المكتبة كظاهرة اجتماعيّة، مقابل ظاهرة الرّقمنة، فالمكتبة تتعلّق بمعادلة يبرز فيها الطّرف الآخر المتمثّل في القارئ أو المستخدم، فمن جهة لدينا فضاء تتراكم فيها أرصدة معرفيّة ومن جهة أخرى القارئ ثمّ الرّقمنة كطرف ثالث.
مضيفا أنّه لدينا مكتبات في المستشفيات والسّجون والمساجد، والوزارات، وغيرها، إلا أنّ الفرق بينها يتجلّى في أنّ المكتبة الجامعيّة تختلف من حيث طبيعة جمهورها ذي المستوى العالي من طلبة وأساتذة باحثين، وهم ذوو احتياجات كثيرة. ومهما كانت التّعقيدات المرتبطة بنوعيّة المكتبة ونوعيّة القارئ، فالرّقمنة تقدّم لنا فرصا وتحدّيات، بحيث أنّ الأساس فيها هو الإعلام الآليّ وأتمتة المكتبات التي تعدّ ركيزة ما يسمّى ” عصرنة المكتبات”، ثمّ أتمتة الأرصدة المعرفيّة.
واستطرد قائلا: “إنّنا، حاليا، في مفترق الطّرق قبل الانتقال إلى حضارة أخرى من المطبوع إلى الرّقميّ الذي تتحكّم فيه برمجيّات معيّنة محمّلة في منصّات، أي التّحوّل إلى مكتبات دون رفوف ولا كراسي، ولكنّها أرصدة معرفيّة متوفّرة في كلّ مكان يتواجد فيه القارئ”، وهو ما يحتّم على المكتبيّ أو يطوّر ذاته مع هذه المعطيات الجديدة، بحيث ّ يستغني عن الاستخلاص والتّبويب، وبإمكانه تحميل وتحويل البطاقة البيبليوغرافيّة بفورما قد تكون نصّا أو غيره، وإدخالها في نظامه الآليّ، ويربح القارئ من خلالها الوقت ويمكنه الولوج لأي معلومة أو مؤلّفة، لكنّه قد يصطدم بمشكل القدرات الاستعابيّة، وهنا يتدخّل المكتبيّ بدور جديد للتّحكّم في الأرصدة الالكترونيّة والقدرة على الرّبط بينها وبين القارئ والولوج الحرّ للأرصدة المعرفيّة إلكترونيّا، بواسطة ” فضاء الأكساس أو ” المرجع المفتوح “.
وألحّ الدّكتور دحمان مجيد على أنّه لابدّ من تعميم مستوى الجيل الثاني أي المكتبة الهجينة التي تربط بين المطبوع والالكترونيّ أي دمج بنك الإعارة واستخدام الأرصدة الالكترونيّة بصفة ذكيّة.
التّوجّه المتسارع نحو مجتمع المعلومات الرّقميّ يفرض استخدام التّقنيّات الرّقميّة في إتاحة المعلومات
أفادت مديرة مكتبة جامعة مولود معمري بتيزي وزّو، يحياوي سجيّة أنّ التّوجّه المتسارع نحو مجتمع المعلومات الرّقميّ، يفرض على جميع الدّول، السّعي جدّيّا وراء التّطوير واستخدام التّقنيّات الرّقميّة في إتاحة المعلومات، وقد عرفت مشاريع ومبادرات الرّقمنة انتشارا واسعا في العديد من القطاعات، خاصّة قطاع المعلومات، حيث وجدت المكتبات بصفة عامّة والمكتبات الجامعيّة بصفة خاصّة في تقنيّة الرّقمنة، أسلوبا يدعم أهدافها ويساهم في تحقيق رسالتها المتمثّلة في توفير كافّة التّسهيلات لتوصيل أكبر عدد ممكن من المعلومات التي تلبّي احتياجات الباحث في أقلّ وقت وجهد ممكنين، وأكّدت على أنّ عمليّة الرّقمنة أصبحت أمرا واقعا وحقيقة لابدّ منها من أجل تحسين وتطوير الخدمات المقدّمة للمستفيدين، مفرّقة في سياق ذي صلة، بين مصطلحي ” الرّقمنة ” كعمليّة يتمّ فيها تحويل المواد غير الرّقميّة من كتب ومخطوطات وجرائد وموادّ سمعيّة وبصريّة، إلى شكل ملفّات رقميّة يمكن التّعامل معها من خلال تكنولوجيا الحاسبات عن طريق استخدام الماسحات الضّوئيّة، وبين مصطلح ” المكتبة الرّقميّة ” التي تقتني مصادر المعلومات الرّقميّة سواءا المنتجة في شكل رقميّ أو تلك التي تمّ تحويلها إلى الشّكل الرّقمي، وتجري عمليّات ضبطها بيبليوغرافيّا باستخدام نظام آليّ ويتاح الولوج إليها عن طريق شبكة حواسيب باستخدام شبكة الأنترنت. كما بيّنت مصطلح المكتبة الجامعيّة كمؤسّسة علميّة وثقافيّة وتربويّة اجتماعيّة تهدف إلى جمع مصادر المعلومات وتنميتها بطرق مختلفة. وعرّجت المتدخّلة على جهود الرّقمنة في المكتبات حاجة في تطوير الخدمات وتقديمها بشكل أفضل، ووجود تقنيّة مناسبة بتكاليف مناسبة، ووجود العديد من أوعية المعلومات بشكل رقميّ يكون متاحا تجاريّا، مع نشر الأنترنت وتوفيرها للعديد من المستخدمين. زيادة على حديثها عن أهداف ومزايا الرّقمنة في المكتبات، ومتطلّباتها من حيث الكوادر الشعبيّة والموارد الماليّة والشّروط القانونيّة والأجهزة والبرمجيّات والتّخطيط.
واختتمت مداخلتها برسم صورة إيجابيّة عن الإدارة الإلكترونيّة من حيث النّظام الآليّ المتكامل لتسيير المكتبات والمنصّة الرّقميّة، وغيرها من الأدوات المستخدمة كالأقراص المدمجة، وتنمية المجموعات الرّقميّة، مع ضرورة استغلال المكتبات الجامعيّة لتطبيقات متطوّرة.
المكتبات الجامعيّة تتكيف مع جهود الرّقمنة
ركّزت الاستاذة لعجل حسينة إحسان ممثّلة لمكتبة جامعة باجي مختار عنّابة، على موضوع تكيّف المكتبات في الواقع والعصر الرّقميّ، بحديثها عن المبادرات التي أطلقتها الجامعة لمواكبة التّطوّرات الرّقميّة والتّكنولوجيّة من حيث التّفكير والتّطبيق والرّؤى المستقبلة التي تقوم بها مجمل الكلّيّات بمكتباتها. وأشارت إلى أنّ الرّقمنة خطوة مهمّة جدّا، وهو ما تعمل على تنفيذه مختلف المؤسّسات الجامعيّة في مكتباتها مثل جامعة باجي مختار عنّابة، لكن لابدّ من مواجهة التّحدّيات والصّعوبات المعرقلة فيما يخصّ قضيّة حقوق الملكيّة الفكريّة، فلا توجد قوانين واضحة تتعلّق بحقوق الملكيّة الفكريّة لمصادر المعلومات الرّقميّة، وهذا الأمر قد يشكّل، بالنّسبة للمتدخّلة، تحدّيا كبيرا أمام مؤسّسات المعلومات، ممّا يؤخّر عمليّة الرّقمنة، إضافة إلى التّكاليف الماليّة لمشاريع الرّقمنة باهظة الثّمن، والبطء في عمليّات التّحويل الرّقميّ، والتّأخّر في نشر وإتاحة مصادر المعلومات على الأنترنت، وقلّة الوعي والثّقافة الرّقميّة الكافية لدى بعض المسؤولين من مؤسّسات المعلومات، ونقص وجود القوى البشريّة المؤهّلة التي تتعامل مع الرّقمنة بالشّكل المطلوب.