يرى الدكتور عبد القادر بوعرفة أنّ مالك بن نبي فكك الهيمنة الغربية ونجح في الإشارة والتنبيه إلى خطورة هذه الهينة ونتائجها على المجتمع الجزائري، لهذا يعتقد بوعرفة أنّ التيار الشيوعي الفرانكفوني حاربه وضيق عليه، مذكرا أنّ بن نبي لم تكن مشكلته مع اللغة الفرنسية كتراث إنساني بقدر ما كانت مشكلته مع الهيمنة الفكرية والثقافية لهذا التيار. ودعا بوعرفة إلى دراسة فكر مالك بن نبي من زاوية نقدية واستخلاص ما يمكن أن يفيد مجتمعنا اليوم، وإن تجاوز الزمن بعض أفكار هذا الرجل لكن لبّ مشروعه الحضاري ما يزال صالحا ليكون انطلاقة لمشروع حضاري وفكري ينطلق من كيان الأمة ومنابعها.
- كيف يمكن قراءة فكر مالك بن نبي من منطلق نقديّ؟
نحتاج اليوم إلى وضع أفكار مالك بن نبي في سياقها الحضاري والتاريخي بالأدوات والمفاهيم التي حلل بها، وننظر إلى ما استجدّ في هذه الأفكار. لقد كتب في فترة كانت فيها معظم المجتمعات الإسلامية، بما فيها المجتمع الجزائري، تحت الهيمنة الاستعمارية وتعاني من التخلف الحضاري. وصحيح أنّ هذه المجتمعات حققت استقلالها السياسي،اليوم، لكنه ليس ذلك الاستقلال الذي تحدث عنه بن نبي، فأغلب هذه المجتمعات ما تزال تحت نفوذ الفكر الغربي، وتحتاج من خلال مفهوم مالك بن نبي، إلى تحرير الإنسان ليتفاعل بشكل إيجابي، الند للند، مع الثقافة الغربية، ويتعلم من هذه التجربة الحضارية ويتحرر من نفوذها النفسي والفكري. وصحيح أنّ بعض أفكار مالك بن نبي، في جزئياتها، قد تجاوزها الزمن، لكنّ مشروعه ككل، ما يزال صالحا و يمكن الاستثمار فيه.
- بقي مالك بن نبي غير مستوعب في الجزائر لأسباب أديولوجية، هل ثمة سبب معرفي لهذا الإقصاء؟
السبب الرئيسي هو أيديولوجي يعود لنفوذ التيار الفرانكو شيوعي في فترة من فترات تاريخ الجزائر المعاصرة، لأنّ مشروع مالك بن نبي قائم على هيمنة الفكر والثقافة الفرنسية وكان يدعو إلى مقاومتها والسعي إلى تحرير الإنسان الجزائري ليدخل في تفاعل إيجابي، وبطريقة مبدعة مع هذه الثقافة دون أن يذوب فيها.
- كيف تفسّرون تكالب التّيّار الفرنكوفونيّ على مالك بن نبي رغم أنّه كتب بالفرنسية؟
بن نبي كتب بالفرنسية لأنّ المثقّفين في زمانه، كانوا يدرسون ويكتبون بالفرنسية، وأغلب الناس أيضا تقرأ بالفرنسية، وهذا واقع تاريخي معروف، لكنّه مثل مالك حداد، كتب بالفرنسية، بيد أنّ قلبه ووجدانه ظل جزائريا. ولم تكن لمالك بن نبي مشكلة مع اللغة الفرنسية كتراث إنساني، لكن مشكلته مع هيمنة ونفوذ الفكر الفرنسي والثقافة الفرنسية، وهو امتداد للمجال السياسي والاقتصادي، وقد كان مقتنعا أنّ تواجد اللغة الفرنسية، ليس لغويا، لكنه تواجد مهيمن، لهذا نبّه إلى أنّ ازدواجية اللغة في الجزائر ستخلق مجتمعا داخل مجتمع. وقد نبّه الرئيس الراحل هواري بومدين وطالب في وقته بمعالجة هذه المسألة التي طرحها مالك بن نبي.
- برأيك، أيّ من كتب مالك بن نبي تراها اليوم صالحة لإعادة الاستلهام منها؟
مالك بن نبي طرح مشروعه في مجموعة من الكتب مجتمعة، لكن هناك كتب مرجعية، مثل ” الظاهرة القرآنية” التي تعالج دور الدين في المجتمع وتنتقد “العلمانيّة” كتاب ” شروط النهضة” ، و” معضلة الأفكار في العالم الإسلامي” و”مشكلات الثقافة”، وكلها كتب تدور حول مشروع بن نبي وما تزال صالحة اليوم لنستلهم منها.