“الفلسفة والسؤال اليومي” هو عنوان الندوة التي احتضنتها قاعة “التاسيلي” ضمن البرنامج المرافق لصالون الجزائر الدولي للكتاب السادس والعشرين، حيث حاول ثلاثة متفلسفين جزائريين هم نعيمة حاج عبد الرحمان، خديجة وتيلي ومحمد شوقي الزين، الاقتراب من ماهية هذين المفهومين، والتدقيق فيهما.

بداية، توقفت الدكتورة نعيمة حاج عبد الرحمان عند مفهوم واحد يتوسط مفهومي الفلسفة واليومي، أي مفهوم “السؤال”، وقالت إنّ الإنسان “فلسفيا” هو “سؤال”، أو بالأحرى مجموعة أسئلة في محاولة للاقتراب من معرفة حقيقة كلّ الأشياء، وهو مرهون بالأسئلة التي يطرحها الإنسان بخصوصه، مضيفة أنّ المساءلة هي الضمان الوحيد “لإنسانيتي ووجودي، فماهيتي تتحدّد من خلال المساءلة والسير في اتجاه الحقيقة، وهو التفلسف في مفهومه الصحيح”.

وتساءلت المتدخلة عن ماهية “سؤال اليومي” من وجهة نظر فلسفية، فهل تهتمّ الفلسفة باليومي؟، هل يعدّ موضوعا من موضوعات الفلسفة، ومتى بدأت تتساءل عنه؟ وأيضا هل هي علاقة اتصال أم انفصال؟”. لتردّ الدكتورة خديجة زتيلي بالخوض في “فلسفة الحياة وقضاياها الملحة”، وركّزت على السياقات التاريخية لأنّ المفاهيم لا تولد بين ليلة وضحاها، ولكن ضمن سياقات سياسية، اجتماعية، ثقافية وغيرها، ما أدى إلى التفكير في فلسفة “اليومي” أو “الراهن”.

واستحضرت الدكتورة زتيلي أربعة محاور، تعدّ حسبها، من تمظهرات فلسفة الحياة، هي “قضايا الأخلاقيات التطبيقية”، “عودة الفلسفة في ثوبها السقراطي”، “أطروحة الفلسفة والفضاء العام” و”الفلسفة كطريقة للعيش أو وسيلة للتداوي”، لتفصّل في كلّ محور على حدة، وقالت إنّه لا شكّ في أنّ الاهتمام بأهمية فلسفة اليومي تعاظمت، وكان للفلسفة الوليدة أن تهتمّ بالقضايا الأخلاقية الشائكة وما أفرزته العلوم والأنظمة السياسية الجديدة، وأشارت إلى ظهور علاقة متوترة بين السلطة والمعرفة فضلا عن بروز ما يسمى بـ”التشيؤ” وكيف أُهدرت كرامة الإنسان في الوقت المعاصر، وخرج بما يسمى قضايا الاعتراف الثلاث “الحق، الصداقة وانقاذ الكرامة الانسانية”.

وواصلت أستاذة الفلسفة المعاصرة بجامعة “الجزائر 2″، بلفت الانتباه إلى أنّ العولمة طرحت قضايا أخرى لم تكن مطروحة سابقا، وعليه ظهرت الضرورة إلى فلسفة “اليومي” وأن تُغيّر الفلسفة مسارها وتطرح قضايا جديدة، قائلة إنّ الفلسفة لا تحمل أجوبة نهائية، ويكون فيها السؤال أهمّ من الجواب، وحاولت الإجابة على 3 أسئلة محورية هي “هل تستطيع الفلسفة المعاصرة تجاوز الفلسفة النخبوية أو الكلاسيكية؟”، “هل نحن بصدد أطر جديدة تحتاج إلى أطروحات جديدة؟” وأيضا “كيف نعالج فلسفة “الهُنا” وليس فيما بعد؟”.

من جهته، أثار الدكتور محمد شوقي الزين مسألة “الثابت والمتحوّل في العلاقة الملتبسة بين الفلسفة واليومي”، موضحا أنّ النصوص تشكّل الثابت، وما يتبدّل هو طريقة قراءتها وأقلمتها وتطبيقها على القضايا المعاصرة، فالفلسفة تمثل “الثابت” أمام “المتحوّل” الذي هو “اليومي”، وقال “يعدّ اليومي في نظري، سؤال الأسئلة”، فيتميّز بالفرار وعدم الاستقرار، هو زئبقي ويدلّ على الخاص والعام، ويجمع المتناقضات، وهو المسطّح الذي يقضي على كلّ التراتبيات، والفلسفة هي العكس ببنائها للأنساق ووضعها لنظريات حول معطيات تحاول أن تدلّ على الجانب النخبوي”.

وتابع أستاذ الفلسفة بجامعة تلمسان، أنّ هناك علاقة جدلية بين “الفلسفة” و”اليومي”، فالمتفلسفون القدماء لم يعرفوا “اليومي”، وكان عندهم ما يسمى بـ”المدينة الفاضلة”، ولم يطرحوا أسئلة عن “اليومي” وحصروها في “جواهر العيش الرغيد”،  لسبب بسيط هو أنّ الفلسفة اعتمدت على القضايا الكبرى من وجهة نظر المشترك الإنساني الذي هو “العقل”، مشيرا إلى أنّ مفهوم “اليومي” ظهر عندما تطوّرت الآداب والفنون وموجات مابعد الحداثة في القرن الـ20، وأضاف أنّ الفلسفة كانت تحترس من  دراسة “اليومي” وكان شيئا عموميا، وما أخذ بزمام “اليومي” هو تمثل الحياة عن طريق الفن والأدب خصوصا الرواية التي تستطيع أن تقتنص “اليومي” في أدقّ تفاصيله.

وأوضح المتدخّل  أنّ الفلسفة اللغوية أو الفلسفية التحليلية كانت المدخل لفلسفة “اليومي”، فبالفلسفة اللغوية” بدأت الألفة مع “اليومي” من خلال أعمال فندرشتاين وسعيه للنقل المشكلات من الاقتراب الميتافيزيقي إلى الألفة اللغوية، من خلال اللغة والتعبير وهو الأقرب إلى التعبير الشائع  وإلى ربط هموم الإنسان بما يحياه.

Pin It on Pinterest

Shares
Share This