ضمن البرنامج الثقافي المرافق للدورة السادسة والعشرين لصالون الجزائر الدولي للكتاب، ناقش عدد من الباحثين والممارسين المسرحيين، الجمعة 3 نوفمبر، بقاعة “التاسيلي”، مسألة “الكتابة المسرحية: الراهن والتحوّلات”، وحاولوا تقديم مقاربات تدور في فلك النص المسرحي بين الأزمة والوفرة، اللغة الثالثة وكذا الاقتباس من النموذج الغربي وغيرها من المسائل المرتبطة بالفن الرابع.
في هذا السياق، اعتبر الدكتور محمد بوكراس مدير المعهد العالي لمهن العرض ومهن السمعي البصري، أنّ موضوع “الكتابة المسرحية”، أسال الكثير من الحبر، وتحدّث عنه الممارسون والهواة وكذا الإعلام الثقافي، وهو ما عرف بـ”أزمة النص” وبدأ التداول في هذا الموضوع بين مقرّ ومعترف بوجود أزمة نص والدليل أنّ المسرح الجزائري يتكأ دائما على الاقتباس إلى الخشبة، إلا ما ندر، وهناك من يكذّب هذا الرأي، ودليله بأنّ الرواد الأوائل للمسرح الجزائري كعلالو وقسنطيني كانوا يكتبون نصوصهم والدليل أنّ هذه النصوص لا زالت موجودة في الريبرتوار المسرحي الجزائري.
وأضاف الدكتور بوكراس أنّ لا أحد ينكر أنّ مسرحية “بني وي وي” التي كتبت في أربعينيات القرن الماضي، أحدثت ضجة كبيرة، وربّما قدّمت في كلّ التراب الوطني رغم الحصار الاستعماري عليها، كما ترك قسنطيني مئات الأغاني المسرحية والفكاهية وعشرات النصوص الموجودة، علالو أيضا، وكان في سنوات الثلاثينيات إلى الخمسينيات، كتّاب أسماؤهم خالدة كأحمد رضا حوحو، محمد العيد آل خليفة، وفضلاء، وواصل أنّه عند الوصول إلى مرحلة الثورة، برز كتّاب كعبد الحليم رايس التي لا زلت أعماله نادرة وتدرسها المخابر البحثية، منها “أبناء القصبة”، “الخالدون” و”نحو النور” وغيرها، وبعد الاستقلال نجد علولة، كاكي، رويشد الكاتب العصامي الذي يعتبر ما كتبه وتجربة “حسن التيرو” من أهم تجارب الكتابة المسرحية الجزائرية، لأنّها تنتمي إلى نوع نادر من الكتابة وهي الكتابة الفكاهية في الموضوع التاريخي.
وقال المتدخّل إنّ “مقاربتنا المسرحية للتاريخ مقاربة جادة ورويشد هو الوحيد الذي قاربها فكاهيا”، وأضاف أنّ المسرح الجزائري في كلّ مفاصله، كان له كتاب متميّزون تركوا بصماتهم وتجاربهم، وعند حديثه عن المسرح المعاصر توقف عند تجربة محمد شرشال وأعماله “ما بقات هدرة” و”جي بي أس” وغيرها وتجربة أحمد رزاق وما كتبه في المرحلة الأخيرة بدءا بـ”الصاعدون إلى الأسفل”، “طرشاقة” و”كشرودة” وأثار مسألة أنّ القليل جدا من النصوص المسرحية مطبوعة.
من جهته، استحضر الكاتب المسرحي محمد بويش هاجس لغة التلقي في الكتابة المسرحية الحديثة بالجزائر من زمن البدايات إلى سؤال القول ومنعطف التدجين اللغوي، وقال إنّ منطلق النصّ المسرحي الجزائري والعربي عموما، كان خاضعا لسلطة النموذج الغربي في الكتابة والاقتباس، وكان السائد في التجارب الأولى النصية خصوصا في جانب الاقتباس، والتي كانت متمركزة بالنموذج الغربي، تأخذ شكله وتنقل ثوابته وتروّج لعناصره ترجمة واقتباسا لملء الفراغ بحركتنا المسرحية، الموجود آنذاك، وبالتالي تمّ ترسيخ النصّ الغربي بكلّ ما يزخر به من مدارس وتجارب، ويعود كلّ هذا إلى حداثة عهد هذه الكتابة بالنشوء والتكوّن وافتقارها إلى متطلّبات العمل الفني وغياب وعي تام بضوابط وشروط الكتابة.
وأضاف المتدخّل أنّ المتتبّع للمسار النصي الذي اعتمد، يجد أنّه في الجزائر نشأ بطريقة مغايرة، حيث كان الاعتماد النصي على التغطية التراثية لتسهيل تقديم نصّ يواكب تلك المرحلة، وقدّم تجربة علال ومسرحية “جحا”، حيث طوّع النموذج الغربي وصاغه وفق الواقع الجزائري، خصوصا تلك اللغة المحلية المصاغة للتلقي، في مرحلة كان فيها الجمهور المسرحي في إطار التشكّل، حيث كانت أغلبية العروض المسرحية آنذاك باللغة العامية ابتداء من سنة 1926، إلى غداة الحرب العالمية الثانية، فإلى جانب علالو، قدّم كلّ من محي الدين بشطارزي ورشيد قسنطيني نشاطا مسرحيا نذكر منه “زواج بوعقلين” لعلالو، “بابا قدور الطمّاع” لرشيد قسنطيني و”فاقو” لمحي الدين بشطارزي، ورغم المنحى الاجتماعي والأخلاقي فإنّ لغة التواصل كانت مفهومة وهكذا كان العامل بمفعول التراثي نجد اللفظ وانتقال اللغة الثالثة إلى ذهن المتلقي بسهولة، لغة أصلية وثرية بثراء الفكر الذي تعبّر عنه وهكذا انطلق علالو في “جحا”.
كما أشار بويش إلى توظيف لغة التراث عند ولد عبد الرحمان كاكي، وإبراز اللغة المسرحية من التراث الثقافي الشعبي المشحونة بالإيحاءات والرموز المنتشرة في الحكايات والأشعار الشعبية، كما توقّف عند تجربة علولة الذي أعاد الاعتبار لعملية إنتاج المعنى وبنائه وأعطى للحاضر بعدا تجاوز المباشرة وأوصل المتلقي بالماضي ومنح الماضي قيمة حضورية راهنة قابلة للفهم، فيما اتّجه النصّ المسرحي الحديث في الجزائر إلى التراكم اللفظي لبناء النصّ المسرحي خصوصا ما بعد التسعينيات، واستطاع الاقتباس أوّلا أن يغطي الكثير من النصوص المسرحية الجادة، وتم إسقاط اللغة الثالثة إلى مدرج التدجين والهجين في صناعة نص مسرحي بديل، وأقول هذا من خلال التوجّه من الاقتباس إلى الكتابة الجماعية إلى كتابة المخرج إلى كتابة الممثل إلى كتابة السينوغراف وتحولت الكتابة المسرحية إلى أمر سهل بالنسبة إلى العرض المسرحي وبالتالي تمّ تدجين الكلمة وفق اللغة الثالثة..
أما المسرحي هارون الكيلاني من الأغواط، فاستعرض تجربته في “مسرحة الأمكنة” وقال إنّ الإيقاع مفتاح الفرجة والفرجة أكبر من المسرح، حيث تبدأ كلّ أعماله بالإيقاع وليس بالفعل، لأنّه ركيزة كلّ شيء، مشيرا إلى أنّه عكس ما يحدث في المسرح الكلاسيكي فالممثل يفكّر دائما كيف يؤدي ولا يفكر في ماذا يؤدي، وتوقف عند تجربتي “الصوت الأصفر” و”حلم غير مثقوب” وأضاف أنّ مسرحة الأمكنة تجربة تؤسّس لحركة جديدة في البحث عن أماكن أخرى للمسرح وإشباع الجمهور بفن الروح والطقس والدهشة والديناميكية والمستقبلية.